نحن الذين نلبس اللصوص ثوب العفاف والقداسة
نحن الذين نلبس اللصوص ثوب العفاف والقداسة
يحكى أن هنالك ملكا أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من الليل.
ولما جاءوا بمستشاره وقد بان عليه الخوف والهلع ومثل بين يديه ، قال له الملك بصوت مرهق :
إسمع أيها المستشار ، لقد اخترتك من بين كل مستشاريني لمعرفتي التامة بأنك أرجحهم عقلا وأشدهم ذكاءً.
فقال له المستشار وهو ينحني له إجلالا :
ألف شكر لك يا مولاي ، وسأكون إن شاء الله عند حسن ظنك.
قال له الملك بعد أن إتكأ على عرشه :
أتعلم أنني لم أنم ليلتي هذه لأن هنالك سؤال يؤرقني ، وأريد منك إجابة عنه تستند إلى دليل قاطع.
قال له :
أبشر يا مولاي ، سل سؤالك وسأجيبك عنه بإذن الله.
قال له :
قل لي أيهما أفضل الحظ أم القداسة؟
قال له بدون أي مقدمات :
القداسة طبعا يا مولاي.
ضحك الملك وقال له : سأدحض رأيك بالدليل أو تثبت لي رأيك وبالدليل؟
وافق المستشار .
فخرجا في صباح اليوم التالي إلى أحد الأسواق ووقف الملك يتأمل في وجوه رعيته حتى رأى عتالاً بائساً جدا.
فأمر الحرس بجلبه إلى القصر ، ثم أمر بأن يطعموه ويلبسوه الحرير ، ثم جعله وزيرا ، ثم أمر بإدخاله إلى مجلسه.
فاندهش المستشار عندما رأى أن العتال أصبح وزيرا؟
فقال الملك للمستشار : أيهما أفضل الآن الحظ ام القداسة؟!
فأجاب المستشار : أعطني فرصتي يا مولاي لأثبت لك بأن رأيي الأصح ؟
خرج المستشار إلى السوق ووقف يتأمل ، وإذا به يرى حماراً هزيلا ومنهكاً من التعب.
إقرأ أيضا: عاشت سيدة فرنسية في الجزائر واعتنقت الإسلام
فاقترب منه وبدأ يتحسسه ويتلمسه ، والناس ينظرون إليه باستغراب حتى تجمهروا من حوله ، ثم قال بصوت عال :
أيها الناس ، أتعلمون أن هذا الحمار طالما حمل على ظهره أحد أنبياء الله.
فقد ذكر وصفه في الكتاب الفلاني نقلا عن فلان إبن فلان ، هذا الحمار من أهل الجنة.
وما هي الا لحظات
حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزارا ،
وملئت أذناه نذورا ، وبدأ الناس يتبرّكون به.
فهذا يطعمه ، وذاك يغسل قدميه ، وتلك تأخذ شعرة منه لتتزوج ، وتلك تتمسّح بمؤخرّته لتُرزق بطفل.
ثم أسكنوه في بيت نظيف ، وعينوا له خدما.
وصار الحمار يسرح ويمرح في أي مكان ، ويأكل ويشرب من أي بيت يريد ، والكل يقدسه ويتبرك به؟
ثم عاد المستشار إلى الملك وقال :
الآن يا مولاي ، أيهما افضل؟!
طأطأ الملك رأسه ، فابتسم المستشار وقال له :
أتعلم يا مولاي ما الفرق بين الحظ والقداسة؟
قال الملك :
لا ، قل لي ما الفرق؟!
قال له المستشار :
أنت يا مولاي ألبست هذا العتال ثوب العافية ، والمال ، والسلطة.
وهذا ثوب زائل لأنك تستطيع سلبه إياه!
أما أنا ، فقد ألبست هذا الحمار ثوب القداسة ولعمري أن هذا الثوب لا يمكن أن يسلبه منه أحد ،
حتى أنت يا مولاي؟