هل سمعت بالعقبة؟!
إنها الحاجز بينك وبين الجنة.
يسارع كثيرون إلى أداء الفروض الدينية مثل الصلاة والصوم والعمرة أو الحج ،
ويتصورون أن أداء مثل هذه العبادات هو أكبر ضامن لهم لدخول الجنة.
والحقيقة هي أن القرآن لم يُعْطِ ضماناً على الإطلاق بدخول الجنة ، وإن وأعطى أولوية لأمور أخرى غَفَلَ عنها الكثيرون.
وتصف الآيات الكريمة كيفية إجتياز هذا المانع أو إقتحامه فقال تعالى:
{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ¤ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ¤ فَكُّ رَقَبَةٍ¤ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ¤ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ¤ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ¤ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ¤ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } ..
(البلد11 ـ 18)
يا له من وصف ونسج رائع
(فأول عقبة) تُعِيق الإنسان عن دخول جنات الفردوس الأعلى يكون “إقتحامها” من خلال فَكّ رقبة (أي تحرير إنسان من العبودية أو الرق)).
قد يتساءل البعض : وكيف لنا اليوم بأن نفك الرقاب وليس هناك عبيد؟!
وهنا يأتي التأويل بأن الإنسان في زماننا الحالي قد يكون عبداً للفقر والجوع ،
وأن إنقاذ البشر وإنتشالهم من ذلِّ العوز والإحتياج هو أفضل فكّ لرقابهم.
(والعقبة الثانية) إطعام في يوم ذي هول شديد ذي مسغبة ، يتيماً ذا مقربة ،
والقرب قد يكون في قرابة الدم ، أو قرب المكان ، أو في مفهوم الإنسانية عامة.
وقد يكون بإطعام مسكيناً في قمةِ ضعفهِ وقلة حيلته حتى أنه عجز عن إزالة التراب عن جلده فاكتسى بصورة المسكين : “ذا متربة”.
إقرأ أيضا: بعد أن فقد رسول الله عمه أبا طالب خرج إلى الطائف
وكما نلاحظ هنا أن القرآن ذكر تعبيرات : “يتيماً” و”مسكيناً” ومن قبلهما “رقبة”،
من دون إستخدام أي أدوات تعريف مثل إستخدام ـ “ال” ـ قبل الكلمة حتى يعمم المعنى على الجميع ،
أياً كان دينهم أو عقيدتهم.
فلمْ يقل القرآن : يطعمون اليتيم المسلم أو المسكين المسلم.
بل قال بصيغة النكرة كي يسري المعنى على أي يتيم ، أو أي مسكين.
ثم يصف لنا القرآن بعد ذلك كيفية إقتحام
العقبة الأخيرة لدخول جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ،
فكان ذلك بالتحلي بالصبر ، وبأن يكون الإنسان في قلبه رحمة { وتواصوا بالمرحمة }.
إنّها الرحمة ،
الرحمة لا تجعل إنساناً يعتدي على آخرين.
والرحمة لا تجعله يظلم أحدا.
والرحمة لا تسمح له أن يأكل حقَّ غيره في الميراث.
الرحمة لا تعطيه مجالا أن يتعصّب ضدَّ جاره لأنه مختلف عنه في العقيدة.
بل إن الرحمة تدعو إلى العدل والإنسانية ومدّ اليد بلا تردد لكل من يحتاجها.
فالرحمة كنز مكنون ، وينبوع يفيض بالغيث لكل من لجأ إليك .
فيا ترى من منّا يستطيع إقتحام العقبة؟
اللهم اجعلنا ممن عَلِمَ فعمِل ، وعملَ فأخلص ،
وأخلص لله عزّ وجلّ.