هود عليه السلام
في أرض اليمن ، وفي مكان يسمى الأحقاف كان يقيم قوم عاد الأولى الذين يرجع نسبهم إلى نوح ، وكانوا يسكنون البيوت ذوات الأعمدة الضخمة ،
قال تعالى : {إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر:7-8]
ويبنون القصور العالية والحصون المرتفعة ، ويتفاخرون ببنائها ،
قال تعالى : {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} الشعراء : [128-129]
ويملكون حضارة عظيمة ، وقد برعوا في الزراعة بسبب توفر الماء العذب الغزير وكثر لديهم الخير الوفير ،
وكثرت الأموال والأنعام ، وأصبحت منطقتهم حقولا خصبة خضراء ، وحدائق زاهرة وبساتين وعيونا كثيرة.
وأعطى الله أهل هذه القبيلة بنية جسدية تختلف عن سائر البشر ، فكانوا طوال الأجسام أقوياء إذا حاربوا قومًا أو قاتلوهم هزموهم ،
وبطشوا بهم بطشًا شديدًا ، قال تعالى : {وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين . وجنات وعيون}
[الشعراء: 130-134].
وبرغم هذه النعم الكبيرة والخيرات الكثيرة التي أعطاهم الله إياها ، لم يشكروا
الله تعالى عليها ،
بل أشركوا معه غيره ؛ فعبدوا الأصنام ، وكانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان ، وارتكبوا المعاصي والآثام ،
وأفسدوا في الأرض ، فأرسل الله لهم هودًا عليه السلام ليهديهم إلى الطريق المستقيم وينهاهم عن ضلالهم ،
ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ، ويخبرهم بأن الله سبحانه هو المستحق للشكر على ما وهبهم من قوة وغنى ونعم ،
فقال لهم : {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون} [الأعراف:65]
فتساءلوا : ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا الكلام؟!
فقال هود عليه السلام {إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون} [الشعراء: 125-126]
إقرأ أيضا: قصة سيدنا شعيب
فرد عليه قومه بغلظة واستكبار : {إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين} [الأعراف: 66]
فقال لهم هود : {يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين} [الأعراف:67-68].
فاستكبر قومه ، وأنكروا عبادة الله ، وقالوا له : {يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين} [هود:53]
وقالوا له : وما الحالة التي أنت فيها ، إلا أن آلهتنا قد غضبت عليك ، فأصابك جنون في عقلك ،
فذلك الذي أنت فيه ، فلم ييأس هود عليه السلام وواصل دعوة قومه إلى طريق الحق ،
فأخذ يذكرهم بنعم الله تعالى عليهم ؛ لعلهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه ،
فقال : {واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون} [الشعراء: 132-134]
ثم قال : {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} [هود: 52].
ولم يجد هود عليه السلام فيهم إلا قلوبا ميتة متحجرة متمسكة بغيها وضلالها ، وإصرارها على عبادة الأصنام ،
إذ قابلوا نصحه وإرشاده لهم بالتطاول عليه والسخرية منه ،
فقال لهم : {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون. من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون . إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم . فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قومًا غيركم ولا تضرونه شيئًا إن ربي على كل شيء حفيظ} [هود:54-57]
فاستكبروا وتفاخروا بقوتهم وقالوا لهود : {من أشد منا قوة} [فصلت: 15]
وأخذوا يسخرون منه ويستعجلون العذاب والعقوبة في سخرية وإستهزاء ،
فقالوا : {فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} [الأعراف: 70].
إقرأ أيضا: ﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﺒﺮ ﺃﻳﻮﺏ ؟
فقال هود عليه السلام : {قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين} [الأعراف:71]
وبدأ عذاب الله لقوم عاد بأن أرسل عليهم حرا شديدا ، جفت معه الآبار والأنهار ،
وماتت معه الزروع والثمار ، وانقطع المطر عنهم مدة طويلة ، ثم جاء سحاب عظيم ،
فلما رأوه استبشروا به ، وفرحوا ، وظنوا أنه سيمطر ماء ، وقالوا: {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24].
لقد ظنوا أن السحب ستأتي لهم بالخير ، لتروي عطشهم وتسقي إبلهم وخيولهم ، وزرعهم وبساتينهم ،
ولكنها كانت تحمل لهم العذاب والفناء ، فجاءتهم ريح شديدة إستمرت سبع ليال وثمانية أيام دائمة دون إنقطاع ،
تدمر كل شيء أمامها حتى أهلكتهم ،
قال تعالى : {ريح فيها عذاب أليم . تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين} [الأحقاف: 24-25].
ونجَّى الله هودًا ومن آمنوا معه ، قال تعالى :
{فأنجيناه والذين آمنوا معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} [الأعراف: 72]
وسار هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين إلى مكان آخر يعبدون الله فيه ويسبحونه.