وجدان التي عاشت مع الغزلان الجزء الثاني
مرت الأيام ولهفة إبن السلطان تشتد ، حتى أتاه رفيقه بطبق من السمك والأرز لا يزال البخار يتصاعد منه ،
وقال له : اذهب وكل مع جاريتك لا شك أنها جائعة.
فلما رأته قادما إرتبكت فأول مرة ستجلس مع فتى ، طأطأت رأسها وعلت محياها حمرة الخجل وخيل لها أن الغزلان تضحك منها.
لكن الأمير إبتسم لها بحب وقال : تعالي لنأكل ولقد أمرت بجزر وخسّ وبرسيم لغزلانك ،
وما هي لحظة حتى جاء العبيد بالقفاف فجاءت لتأكل بعدما نظرت بعيونها الواسعة العسليتان للأمير كأنها تشكره على معروفه.
وبسرعة زال الخجل عن وجدان ومدت يديها وبدأت تأكل وتثني على لذة السمك.
كان محمد ينظر إليها وقد علت وجهه البهجة وقالت له : إملأ معدتك ولا تقلق فلن أهرب ، فأكل شيئا يسيرا.
ثم أخذت قدحا ملأته بحليب غزالة وقالت : إشرب وهات الباقي ،
لكنه أجابها أنت الأول وفي هذه اللحظة علمت أن الأمير يحبها بصدق وربما ستتغير حياتها ولم يخيب ظنها.
ففي الغد جاءها وأخبرها أنه ينوي الزواج منها ،
قالت له على شرط تجعل هذه الأرض ملكا للغزلان ولا يدخلها أحد سوى أنا وأنت.
قال لها : ليكن الأمر كذلك.
جاءت وجدان للقصر وأدخلوها للحمام ومشطت الجواري شعرها الطويل ولبست ثوبا من الحرير الأزرق ،
ووضعن الأساور والخواتم في يديها والعطر على وجهها ، ثمّ جاءوا بها لقاعة العرش.
كان السلطان يتناقش مع ولده محمد وقد بان عليه عدم الرضا وقال :
كيف تتزوج من فتاة ليست من أبناء الملوك وماذا سيقول الناس عنا؟
أجاب محمّد : إنها أميرة الغزلان وقد حمتها في رحلتها الطويلة ،
ولم ينقص منها فردا واحدا أليس من يفعل هذا جديرا بالإحترام يا أبي؟
إقرأ أيضا: قالت الفتاة يا محمد أريدك أن تكون مسيحي!
أجاب السلطان : نعم ، ولكن قبل أن يكمل عبارته دخلت وجدان وقد تضوّعت رائحة العطر في القاعة الكبيرة ،
ولما رآها الأب بقي مندهشا من حسنها وهيبتها.
فقد كانت طويلة تظهر عليها علامات القوة والبأس رغم صغر سنها ولو لم يكن يعرف من هي لظنها من بنات أعظم الملوك.
فالتفت إلى إبنه وقال له : إنس ما قلت لك عليه فإنّي قد أخطأت في حقها ،
والآن عرّفنا على عروسك فوالله لقد إزداد مجلسنا بحسنها.
ثم سألها السلطان عن قصتها فأخبرته بكل ما حصل لها وكيف ظلمها أبوها وأراد قتلها ،
لكن مشيئة الله أرادت أن تنجو من الصحراء والسباع وتقود شعبها من الغزلان في رحلة طويلة في الصحاري ،
حتى وصلت إلى تلك الغابة وقابلت الأمير محمد ، فأحبا بعضهما من أول نظرة.
كان السلطان يسمع ويتعجب من شجاعة تلك البنت وقوتها ، ثم قال لها : أعدك أن أعاقب المؤذن على لؤمه وإرجاع مكانتك بين أهلك.
أجابته : شكرا لمولاي لكني أقسمت أن أنتقم منه بنفسي وأشفي غليلي.
ضحك وقال ما أشد بأسك يا جارية ومن حقك أن تأخذي بثأرك والآن هيا إلى الطعام والشراب.
وخرج المنادي في الأسواق يصيح : الأسبوع المقبل زواج الأمير محمد من وجدان أميرة الغزلان.
ففرح الناس وأحبوا أميرتهم لشفقتها على الحيوانات وطيبة قلبها وأقيمت الأفراح سبعة أيام وسبعة ليالي.
وحضر الملوك لتهنئة العروسين وحملوا الهدايا والتحف وكان من ضمنهم ملك للقبيلة المجاورة ،
ولما رآى وجدان أعجبته وهام بها حتى سلبت النوم من جفونه فلم ير مثلها ، رغم أن له العشرات من الفتيات والجواري.
وحين رجع إلى قصره بعث لها أحد عبيده يخبرها أن مملكة سيده عظيمة وسيكسوها بالذهب والجواهر ،
لكنها لم تستجب له وطلبت أن يبتعد الملك عن طريقها وإلا ندم.
فلم يزده ذلك إلا تمسكا بها وبدأ يحيك في الدسائس والحيل لإبعادها عن محمد ولم ينجح في تلك اللحظة.
وبعد أشهر رزقت وجدان مولودا بهي الطلعة جميل مثل أمه لكن ملك تلك القبيلة المجاورة هو الوحيد الذي لم يفرح ،
إقرأ أيضا: في طريقي إلى الجامعة حملت حاجيات ثقيلة لسيدة عجوز
وزاده الحسد والغرور ودفع مالا لأحد جواري القصر لتدس السم في شراب الأمير لكي يتخلص منه ،
وفي نفس الوقت يفوز بالأميرة وجدان وبكل شيء.
بعد أن رزقت وجدان بطفلها الأول قد كان ملك تلك القبيلة المجاورة قد دفع مالا لأحد جواري القصر ،
لتدس السم في شراب الأمير لكي يتخلص منه وفي نفس الوقت يفوز بالأميرة وجدان وبكل شيء.
لكن وجدان قالت لها : هات الطبق سأسلمه له بنفسي. ،
ويشاء القدر أن يحس الأمير بصداع ويطلب منها إعطاء آنية الشراب للخدم ويسأل الطبيب أن يصف له أعشابا للألم.
ولما شرب الخدم ماتوا كلهم إلا واحدا لا يحب شراب التمر ولما سألوه من أعطاكم الآنية المسمومة؟
أجاب : إنها الأميرة وجدان.
وبالطبع لم يصدق الأمير أن زوجته يمكن أن تفعل ذلك ،
وإذا كانت تريد قتله فلماذا تعطي آنية الشراب للخدم من المؤكد أن هناك سرا لابد أن يعرفه ، ولذلك يجب أن يسألها فربما تعرف شيئا.
وفي المساء بحث عن وجدان لكنه لم يجدها فوجد رسالة على السرير جاء فيها :
سنلتقي يوما وأثبت براءتي من هذه التهمة ومن التي قبلها مع المؤذن.
الناس لا تصدق إلا القوي وما بالك إذا كان المتهم إمرأة ،
سآخذ حقي بيدي أما أنت فاعتني بالطفل واحرسه جيدا فكلاكما في خطر.
إنزعج الأمير وأرسل فرسانه للبحث عنها في كل مكان ،
لكن في ذلك الوقت كانت الفتاة قد إبتعدت في البادية وهي تلبس ثياب الرعاة.
وفي الطريق وجدت شيخا يرعى قطيعا من الغنم ويركب حمارا فنزعت من إصبعها خاتما من الماس وطلبت شراء القطيع والحمار وما عليه من الزاد والماء.
ففرح الشيخ وباع لها كل ما يملكه ، واصلت وجدان رحلتها إلى مملكتها ،
ومن بعيد رأت إمرأة تطبخ طعامها في قدر كبيرة فدنت منها وقالت لها : أنا جائعة يا خالة.
إقرأ أيضا: يحدث ليلا في شقة الطلبة الجزء الأول
فأخذت المرأة صحن وملأته لها بالمرق واللحم ، ولما ذاقت وجدان من تلك الصحن أعجبها الطعام ،
فلم تر في حياتها أطيب منه.
وسألت المرأة أن تعلمها كيف تطبخ وبقيت معها أياما حتى تعلمت منها كل شيء.
وفي الصباح لم تجدها فتعجبت وقالت في نفسها :
أين ذهبت ومعها تلك القدر الكبيرة ههل ممكن أن تكون جنية.
ثم واصلت طريقها حتى وصلت لعاصمة المملكة فباعت القطيع والحمار.
واشترت دكانا وسط السوق وبدأت تطبخ ما تعلمته من تلك المرأة ففاحت الرائحة ، وكل من كان يمر يتوقف ويذهب ليأكل.
وبمرور الأيام اشتهرت بطعامها الشهي وكانت تعطف على المحتاجين والفقراء وتطعمهم في دكانها مجانا.
فدعا الناس لها بالخير وبلغ أمرها سلطان البلاد فاستدعاها لقصره لتكون رئيسة الطباخين مقابل أجرة كبيرة.
وذات يوم قالت له : أريدك أن تستدعي على مائدتك مؤذن القرية الفلانية والتاجر حسن ،
طبعا هو أبيها وسلاطين بعض القرى ومن بينهم ملك تلك القبيلة المجاورة لمملكة زوجها ومن حولهم.
سألها باستغراب لماذا؟ وما الذي تنوين فعله؟
أجابته : ستعرف في الوقت المناسب يا مولاي
وبعد أيام إمتلأت المائدة بالضيوف من مشائخ وأمراء ،
وكانو كلهم في إنتظار الأطباق التي سمعت بها كل بلاد.
ووضعت وجدان في طبق المؤذن وسلطان القبيلة لي كان يريد أن يقتل الأمير عشبة تفقد العقل ولما أكلا منها بدآ يضحكان ويمزحان.
وكانت وجدان تخدم الضيوف بنفسها ، وقد أخفت وجهها بخمار لكي لا يعرفها أحد.
إقرأ أيضا: وجدان التي عاشت مع الغزلان الجزء الأخير
وكان الحضور ينظرون إلى عينها الواسعتين ويتعجبون من جمالها وتجرأ المؤذن الذي أسكرته تلك العشبة وطلب منها الكشف عن وجهها.
وشعر التاجر حسن وهو أبو وجدان بالحرج من المؤذن الذي كان يعتقد أنه إنسان صالح ،
وتعجب المشائخ من سخفه أمامهم أما سلطان تلك القبيلة المجاورة ،
فكان أكثر وقاحة ، وطلب منها أن تحضر له خمرا وتسقيه وتغني لهم.
توقف الضيوف عن الأكل وقد استاءوا من هذا السلوك المشين ، لكن وجدان إقتربت من المؤذن و السلطان وقالت لهم :
إحكو لنا عن أسوء شيء فعلتموه في حياتكم وهنا سوف يتم كشف المستور وسوف ينبهر ويتعجبو كل الحاضرين.