Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

وحيدة في الصحراء الجزء الأول

وحيدة في الصحراء الجزء الأول

يحكى أن ملك أحد القبائل وإبنه خرجا ذات يوم في ركب كبير لزيارة أخته التي تزوجت ، وذهبت للسّكن مع زوجها في بلاد بعيدة.

قطعوا الجبال والوديان ولما إقتربوا قابلتهم في الطريق جارية صغيرة جالسة عل حجر وهي تبكي وتنوح ،

وصوتها يسمع من مسافة كبيرة ،

قترب الركب منها ، نزل الملك عن ظهر فرسه ، وسلم عليها ، وسألها ما الذي يبكيك يا جارية؟

فأجابته : دعني في حالي أشكو همّي لله ، فلا يقدر العباد أن يفعلوا شيئا!

قال لها : صدقت ، لكن نحن قوم من العرب فينا المروءة والنجدة ، ولا عاش من أنزل دمعة من عينيك ،

أخبرني عن حكايتك ، ولن تجدي منا إلا ما يسرّك!

قالت : يا سيدي لا أزال طفلة ، ولم أعرف من الحياة إلا القسوة ، ومن زوجي إلا السوء والمذلة ، هذا قدري ولا ينفع فيه إلا البكاء.

قال لها الملك : علمي يا جارية أن الله رحيم بعباده ، وهو لا يغلق أمامك بابا إلا ليفتح لك واحدا أحسن منه ،

قولي لنا عن أهلك ، وسنحملك إليهم أم تريدين أن نأتي بهم إليك؟

أجابت : إنّي يتيمة ومقطوعة من شجرة ، ليس لي إلا وجه الله ، وهو فقط من يعلم بحالي!

ربّت الملك على كتفها ، وقال لها : اعتبريني من اليوم أباك وإبني الذي يقف هناك أخاك ، وهذا وعد أقطعه على نفسي ،

فرحك فرحنا وحزنك حزننا ، أبشري فالله سمع شكواك ، وأرسلنا إليك في هذا اليوم.

سكتت البنت ، ومسحت دموعها ، فنادى الملك إبنه ليأتيها بطعام.

فحلب ناقة ، وحمل لها لبنا وبعض التمر ، وكانت جائعة فأكلت وشربت ، ثم مسحت شفتيها.

قال لها الولد : هل تريدين مزيدا من اللبن يا أختي؟

فبكت من جديد ، وقالت : لم يناديني أحد بهذه الكلمة من قبل ، لم أكن أعلم أنّها جميلة لهذا الحد!

ثمّ إنبسطت نفسها ، ورجعت لها روحها ، فأصلحت الغطاء على رأسها ، وبعدها قالت لهما :

إقرأ أيضا: يروي أحد المدرسين كنت دائما ما أراقب الطلاب في الفترة المسائية

قصتي محزنة ، فحينما كان رجل فقير مارا مع حماره في الطريق ، وجدني تحت شجرة ، وأنا لا أزال صغيرة ،

فأشفق عليّ ، وحملني إلى داره ، وفرحت إمرأته بي رغم كثرة عيالها وصارت تطعمني من حليب عنزة كانت عندها ،

فصحّ بدني بعد أن كدت أموت ، وعاملتني كإبنتها ، وسمع الناس بحكايتي ، لكن لم يجأ أحد للبحث عني ،

فكبرت مع تلك العائلة الطيبة كواحدة منهم ، وسمّوني شيماء ، وكانوا يحبّونني ،

ولمّا يشتري الرجل شيئا لأبنائه يأتيني بمثله ، ولمّا كنت ألعب في الزّقاق مع البنات كان المارّة يقفون ، وينظرون إليّ بدهشة ،

فلقد كنت بارعة الجمال رغم ثيابي القديمة ، وحذائي المثقوب.

وفي يوم من الأيّام أتت إمرأة من نفس القبيلة ، وخطبتني لولدها ، لكنّي رفضت فلقد كنت سعيدة رغم فقرنا ،

لكنّهم أغروني باللباس والمجوهرات ، وكنت صغيرة فصدقتهم ، وأسكنوني معهم ، وأعطوني غرفة مفروشة بالزرابي ،

لكن ما إن مرّ الشّهر الأوّل حتى بدأت أمّه تطلب منّي أن أخدمها وكذلك إخوته ، وكانت الدار كبيرة ،

يلزمها كثير من الجهد ، فتحملت كل ذلك ، على الأقل لي سقف يأويني ، ورجل يأتيني بقفّة.

ويا ليت كان ذلك فقط ، فكلّ يوم أسمع الشّتائم ، ويعايروني بأنّه ليس لي أصل ولا يخجلون من القول أنني إبنة حرام!

وكان زوجي يدافع عنّي ، لكنهم ألّبوه عليّ ، حتى صار يضربني بلا رحمة ، وقالت له أخواته البنات :

إضربها على وجهها لكي لا تفتخر أمامنا بجمالها!

واحمد لله أنه لم يفعل ، فمازالت عنده بقية من حب.

وذات يوم كنت أمشط شعري في غرفتي ، مرّت أحد أخواته ، فدبّت في قلبها الغيرة لشدّة جمالي ،

فالتقطت حجرا ورمتني به ، فأصاب المرآة التي إنكسرت أمامي ، فهربت من الدار ، وتركت كل شيء ،

وجئت إلى المكان الذي وجدني فيه الرّجل لأوّل مرّة لمّا كنت صغيرة ، وصار لي يومان هنا دون طعام ولا شراب ،

إقرأ أيضا: الأخوين وقصر الفضة الجزء الأول

وأنا أبكي وأدعو الله ليفرج كربتي ، وأجد أبي وأمي اللذان أراهما كل يوم في أحلامي.

كان الملك وإبنه يسمعان ، وقد أخذهم التأثر لقصتها ، وأتوها بقربة ماء فمسحت وجهها ، وأزالت عن ثوبها الغبار ،

وقال لها الملك : سأنتقم لك من هذه المعاملة القاسية ، وأرجع لك حقّك.

الآن سترجعين إلى دار زوجك ، وهذا ما دبّرته : سنتظاهر أنّنا نبحث عنك ، ولمّا نقترب من دارك ،

ستخرجين إلى الزّقاق بفرح : لقد جاء أبي وأخي! واتركي الباقي علينا.

فقالت : لا تقلق يا سيّدي سيكون كل شيء على ما يرام بإذن الله.

فرحت شيماء ، وزال ما بقلبها من غمّ وجرت إلى دار زوجها والدنيا لا تسعها من السعادة ، فهي من الآن ليست وحيدة ،

دقت الباب ، ولما فتحوا لها سألها زوجها بغضب أين كنت؟

أجابته : إسئل أولا أختك الكبيرة ماذا فعلت لي! لكن الأخت تصنعت البراءة ، وردّت : هي من دّبرت كلّ ذلك ، وكسرت المرآة ، وأتت بالحجر إلى الغرفة.

أمسك الرّجل شيماء من شعرها ، ورفع يده ليضربها ، لكنها فتحت عينيها وقالت أنصحك أن لا تفعل ،

فأهلي قادمون لرؤيتي ، وستندم إن لمستني!

هتفت أخته : إنها تكذب ، إضربها لتتعلّم الأدب ، ومازلنا لا نعرف أين ذهبت خلال اليومين الفائتين!

لكن ما هي إلا لحظات حتى جاء رجل ، وقال لهم : يبدو أن هناك من يسأل عن شيماء ، وهم ناس من الأكابر ،

صرخت البنت في وجه زوجها : هل صدّقت الآن؟ ثم وقفت في الباب ، وبدأت تزغرد ،

فأطلّ الجيران من النّوافذ ، وفتحوا الأبواب، ومن بعيد لاح ركب كبير يتقدّمه رجل وإبنه ،

فجرت إليهم حافية القدمين وهي تصيح : مرحبا بأبي وأخي!

لمّا رآها الرّجل نزل من جمله ، وحضنها بشوق ، وتعجّب الناس وتسائلوا : منذ متى لشيماء أهل ، وأين كانوا طوال هذه المدة؟

إقرأ أيضا: يا مقصوفة الرقبة

ونظروا لأبيها وقومها ، وعرفوا من لباسهم وخيولهم الأصيلة ، وسروجها المنقوشة أنّهم من سادة قبائل العرب ،

والعز والثراء ظاهر على وجوههم ، أدخلتهم شيماء للدّار التي إمتلأت بالضّيوف ، وأعدّت لهم الشّاي ،

وهي لا تتوقف عن الترحيب بهم ، كان زوجها وأخواته واقفين في ركن ينظرون وهم لا يصدقون ما يرونه ،

من كان يظنّ أنّ تلك الفتاة هي إبنة ملوك؟ ثم إقترب منه وسلم عليه وعلى قومه ،

هو خائف أن يكونوا قد علموا بما حصل لشيماء ، ثم جرى وذبح جديا وطلب من أخواته إعداد أقراص خبز الشّعير والطعام.

لكن الملك ناداه وقال له لم نأت للأكل ولا للضيافة بل لنطلب منك أن تطلق شيماء ،

وسنأخذها معنا معزّزة مكرمة ، كفى حياة الذّل والإهانة ، وما عانته المسكينة على يديك أنت وأخواتك ، هل كنت تعتقد أنها بلا أهل؟

إعلم أننا فقدناها لما كانت صغيرة ، وبحثنا عنها حتى وجدناها في المكان الذي ضاعت فيه وكانت تبكي وتصيح ،

والله لن يمرّ يومك هذا على خير إذا منعتها من الذّهاب معنا ، ولن تر وجهها بعد الآن!

إصفرّ وجه الرّجل ، وأخذ يترجّى الملك أن يسامحه ، وقال له : أخواتي هنّ السّبب ، وأنا أعدك أن لا يتكرّر ذلك!

أمسك الملك بلحيته ، وفكرّ قليلا ثم قال سأتركها بشرط أن تكون لها دارها ، وأن لا تخدم أهلك ، هل فهمت؟

أجاب الرّجل ، وهو يرتجف: نعم يا سيّدي ، سأخرج من حيني ، وأكتري لها دارا تليق بمقامها ،

أخذ الملك من جيبه صرّة دنانير ، وقال له: إشتر لها ما تشتهيه من اللباس والعطور ، وويلك إن رجعت ، ووجدتها بذلك الثوب القديم!

أجاب الرجل سأفعل كل ما تطلبه ، ولن تر مني إلا ما يسرّك.

والآن سأدعو وجهاء قبيلتي ليتعرفوا عليكم ويعلم القاصي والداني أن لشيماء أهلا من كرام النّاس.

إقرأ أيضا: وحيدة في الصحراء الجزء الأول

وبعد قليل جاء الوجهاء ، وتكلموا مع الملك وأعجبتهم هيبته وعقله ، وحضر الطعام وأكلوا معا ،

وأصبحت شيماء تدور في البيت كالأميرة لا يجرأ أحد أن يرفع عينيه فيها.

وزاد حقد الأخوات وأمهن عليها ، لكنهنّ سكتن ، وقالت إحداهن : سترين ما سنفعله ، بعد أن يذهب القوم سنغري بهم بعض صعاليكنا لينهبوا جمالهم وثيابهم ،

وسيسخر منهم كلّ القبيلة لمّا يروهم حفاة عراة.

وبينما هم كذلك جاء أحد الرعاة يجري ، وصاح : سمعت أن أعيان قبيلتنا مجتمعين هنا فجئت لأخبركم بما حصل!

نظر إليه مختار سيد القبيلة ، وقال له ويحك ألا ترى أنه عندنا ضيوف؟

أجاب الراعي : الأمر لا يحتمل الإنتظار ، لقد أغار علينا قطاع الطريق وأخذوا كل ما في المرعى من أغنام وإبل ،

ومات من مات وهرب من هرب من الرعاة.

وجمع أعيان القبيلة ، ولم يتكلم منهم أحد ، أما مختار فضرب كفا بكف وقال : خليفتنا على الله ،

قال له الملك لماذا لا تخرج لهم في قومك وتسترد مالك؟

أجاب مختار ياليت فهؤلاء من الأعراب الذين لا شفقة لديهم ولا رحمة ،

وقد حاولنا محاربتهم لكنهم في كل مرة يهزموننا ويعودون للإنتقام.

قاح الملك في رجاله خذوا سيوفكم واتبعوني.

كان قطاع الطرق يجمعون الماشية ويدفعونها أماهمم حين طلعت عليهم غبرة ،

فقال زعيمهم يبدو أن مختار وجماعته لم يستوعبوا الدّرس هذه المرة سنحرق قريتهم ،

وسار في خيله لملاقاة الفرسان القادمين لكن فوجئوا بقوتهم ، وشراستهم في القتال وما إلا دقائق ، حتى فروا ،

وتركوا قتلاهم ، وجرحاهم ، وأسروا زعيمهم ورجعوا إلى القرية مع المواش المنهوبة فعلت الزغاريد وقرعت الطبول ،

ورقصت الفتيات ، وزاد مقام شيماء في القبيلة وأحس زوجها بالزهو لقوة أصهاره وشجاعتهم في الحرب.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?