وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا

وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا

قال بعض المفسرين : أي متواضعين ، وقال بعضهم : الهون هو السكينة والوقار.

ووجدت لها تفسيرا مالت إليه نفسي وإن كان كل ما سبق يقبل الصحة من وجهة نظري ،

وجدت من معانيه الخفة على ظهر هذه الحياة ، كأنه يجتازها سريعا حتى يعبرها كالبرق الخاطف.

كما روي عن النبي صل الله عليه وسلم : (المؤمن هين لين)

وروي كذلك مرسلا عن مكحول أنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد ، وإن أنيخ على صخرة استناخ.

كثير ممن أعرفهم سواء ممن لقوا ربهم في السنوات والأشهر الأخيرة ،

أو ممن ما زالوا يعيشون بيننا أحسبهم يتمثلون هذا المعنى ، لطاف خفاف ،

كأنهم جاءوا إلى هذه الدنيا ضيوفا ، ليس عندهم وقت لجرح غيرهم ، أو للإثقال على أنفسهم.

سمحة نفوسهم ، هينة في جنب الله آلامهم ، يخافون على العصاة من عذاب ربهم أكثر من خوف العصاة على أنفسهم ،

ويفرحون للخير الذي يصيب غيرهم كأنه أصابهم.

أصاب الربيع بن خثيم حجرا في رأسه فانفجر منه الدم ،

فأقبل الناس عليه يعصبون رأسه وهو مشغول بالدعاء لمن أصابه بالحجر يدعو له ويقول : اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني.

وابن عباس كان يقول عن نفسه : وأفرح للغيث يصيب بلدا من بلاد المسلمين وليس لي فيه مرعى ولا سائمة.

وكثيرا ما كان يروى عن بعض الصالحين قولهم : الأمر أهون من هذا ، أي لا وقت في حياتنا لما يريد بعضهم أن يجرنا إليه.

هكذا هم ، لا وقت عندهم لتلويث الثوب ، أو تقسية القلب ، أو التيه عن الدرب.

إقرأ أيضا: الرسائل الدينية التي تستلمها أرسلها لغيرك ولا تجعلها تقف عندك بدعة

بعض من ماتوا في الأيام الأخيرة ممن نعرفهم لم أجد وصفا لهم إلا ما ذكرت آنفا ،

خفاف لطاف ، لم يكونوا أبناء دنيا ، بل كانوا وكأنهم جاءوا لحاجة ، قضوها ثم انصرفوا.

وكأنهم يقولون قولة أبي حامد الغزالي رحمه الله عند موته :

قد ترحلت وخلفتكم
لست أرضى داركم لي وطنا

أنا عصفور وهذا قفصي
كان سجني وقميصي زمنا

واشوقاه إلى قلب يعيش الحياة بهذا الشعور ، شعور الضيافة ، شعور البساطة ، وشعور ارتباطه بعالم آخر ليس عنده وقت لغيره.

تماما كما وصف النبي صل الله عليه وسلم صاحبه كما في الحديث القدسي :

(أَغْبَطُ الناسِ عندي مؤمنٌ خفيفُ الحاذِ ، ذو حَظٍّ من صلاةٍ ، وكان رزقُه كَفافًا ، فصبر عليه ، حتى يَلْقَى اللهَ ،

وأَحْسَنَ عبادةَ ربِّه ، وكان غامِضًا في الناسِ ، عُجِّلَتْ مَنِيَّتُه ، وقَلَّ تراثُه ، وقَلَّتْ بَوَاكِيهِ.)

يا لحظ هؤلاء الذين دخلوها خفافا وغادروها خفافا ، لم يشغلهم جمال الزروع ، ولا فتنة المنظر عن عبور القنطرة سريعا ،

حيث تنتظرهم المناظر الأخلب ، والزروع الأنضر ، والصحاب السابقون.

تخففوا يرحمكم الله ، فالأمر أسرع من أن نتحمل فيه آثاما كثيرة ، لا تتناسب مع أعمارنا القصيرة.

Exit mobile version