وقعت محاولة لسرقة جسد الرسول الشريف ونقله سنة (557هـ) في عهد السطان الملك العادل نور الدين محمود زنكي رحمه الله “
حفيد آق سنقر البرسقي وإبن عماد الدين زنكي.
رأى السلطان نور الدين رحمه الله في نومه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول :
أنجدني ، أنقذني من هذين.
فاستيقظ فزعا ، ثم توضأ وصلى ونام ، فرأى المنام بعينه ، فاستيقظ وصلى ونام ، فرآه أيضا مرة ثالثة.
فاستيقظ وقال : لم يبق نوم.
وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي ، فأرسل إليه ، وحكى له ما وقع له ، فقال له :
وما قعودك ؟ أخرج الآن إلى المدينة النبوية ، واكتم ما رأيت ، فتجهز في بقية ليلته ، وخرج إلى المدينة ، وفي صحبته الوزير جمال الدين.
فقال الوزير : وقد إجتمع أهل المدينة في المسجد :
إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحضر معه أموالا للصدقة ، فاكتبوا من عندكم.
فكتبوا أهل المدينة كلهم ، وأمر السلطان بحضورهم.
وكل من حضر يأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي صل الله عليه وسلم له فلا يجد تلك الصفة ،
فيعطيه ويأمره بالإنصراف ، إلى أن إنفضت الناس.
فقال السلطان : هل بقي أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة ؟
قالوا : لا ، فقال تفكروا وتأملوا.
فقالوا : لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئا ،
وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج.
فانشرح صدره وقال : علي بهما.
فأتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صل الله عليه وسلم إليهما بقوله : أنجدني أنقذني من هذين.
فقال لهما : من أين أنتما ؟
فقالا : من بلاد المغرب ، جئنا حاجين ، فاخترنا المجاورة في هذا المقام عند رسول الله صل
الله عليه وسلم.
إقرأ أيضا: سيف بن ذي يزن يبشر عبد المطلب ببعثة خاتم النبيين
فقال : أصدقاني ، فصمما على ذلك.
فقال : أين منزلهما ؟
فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة.
وأثنى عليهما أهل المدينة بكثرة الصيام والصدقة ، وزيارة البقيع وقباء ، فأمسكهما وحضر إلى منزلهما ،
وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه ، فرفع حصيرا في البيت ،
فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة ، فارتاعت الناس لذلك.
وقال السلطان عند ذلك : أصدقاني حالكما !
وضربهما ضربًا شديدًا ، فاعترفا بأنهما نصرانيان ، بعثهما النصارى في حجاج المغاربة ،
وأعطوهما أموالاً عظيمة ، وأمروهما بالتحايل لسرقة جسد النبي صل الله عليه وسلم ، وكانا يحفران ليلا ،
ولكل منهما محفظة جلد على زي المغاربة ، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ،
ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور ، وأقاما على ذلك مدة.
فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت ، وحصل رجيف عظيم بحيث خيل إنقلاع تلك الجبال ، فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة.
فلما إعترفا ، وظهر حالهما على يديه ، ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره ، بكى بكاء شديدا ، وأمر بضرب رقابهما بالسيف ،
ثم أمر بإحضار رصاص عظيم ، وحفر خندقا عظيما حول الحجرة الشريفة كلها ، وأذيب ذلك الرصاص ،
وملأ به الخندق ، فصار حول الحجرة الشريفة سورٌ رصاصٌ ، ثم عاد إلى ملكه ،
وأمر بإضعاف النصارى ، وأمر أن لا يستعمل كافر في عمل من الأعمال .
ذكر هذه الحادثة جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي (ت 772هـ) في رسالة له إسمها : ” نصيحة أولي الألباب في منع إستخدام النصارى.
ويسميها بعضهم بالإنتصارات الإسلامية.
نقلها عنه علي بن عبد الله السمهودي 911هـ في كتابه وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (2/648-650).