ومن قال أن الدنيا موحشة مجدبة لا جنان فيها؟
ومن قال أن الدنيا موحشة مجدبة لا جنان فيها؟
أليس المسجد جنة تتفيأ فيها ظلال الخلوة وحلاوة السجدة وطول المكث؟!
أليس الأخ الصالح جنة؟! يدعو لك في مغيبك ، ويذكرك بالله في حضورك.
ألَيس صوت والديك يدعوان لك بصوتهما الجميل المتهدج جنة؟!
أليس حضنهما عَدْنًا ، ورضاهما -لمن بقي له منهما أحد- فردوسا؟!
أليس المصحف جنة؟! تختلي به فتقرأ منه الآيات كأنها نزلت لك وفيك ،
وتسمع جميل خطاب الله بأذنيك فيطرب له قلبك ، وتسيل حلاوته عينيك.
أليس التلذذ بصنيع الخير جنة؟! تشعر بعد فعله كأنك تريد أن تحتضن السماء فرحة ،
وتخر على الأرض ساجدا شكرا أن أعانك الله عليه.
أليست مجالس الصالحين من أصحابك جنة ، وهل أرائك الجنة وسُرُر أصحابها المتقابلين إلا إستكمال لمجالس جنة الدنيا؟!
ينتقى فيها الكلام ، ويصفو فيها القلب ، وتهرب بها من حر الدنيا القائظ ، وهجير فتنتها اللافح.
أليس بيت المؤمن جنة يأوي إليه فيقذف الله في قلبه السكن والمودة ،
ويداعب الزوجة والصغير فيذهب ما في طبعه من حدة؟!
أليس الجلوس على كتب السيرة وأسباب النزول ولطائف العلوم جنة؟!
أليس العمل للدين ولو بتعليم عجوز فاتحة الكتاب ، أو ببذل نفسك ومالك للأهل والناس والأصحاب جنة؟!
أَليس إدخال السرور على من لا يتوقعه ولا ينتظره في هذه الساعة جنة؟!
كم حرمنا أنفسنا في الدنيا من مثل تلذذات أهل الجنة؟!
لما أستشهد حارثة بن النعمان رضي الله عنه في بدر سألت أمه النبي صل الله عليه وسلم عنه : أهو في الجنة أم في النار؟!
فقال لها صل الله عليه وسلم : يا أم حارثة إنها ليست جنة واحدة ، إنها جنان ، وحارثة في الفردوس الأعلى من الجنة.
وأنا أقول لك : في الدنيا جنان ، إجتهد أن تدخلها جميعا ما استطعت قبل لقاء ربك ،
لأن نهاية الجنان هنا بداية للتي هناك.