وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ
هذه واحدة من أكثر الآيات التي كانت مثار جدل بين المفسرين! وإن لم تكن الأكثر!
فقد اختلفوا فيها اختلاف النقيض للنقيض ، وأن اتفقوا جميعا على أن يوسف لم يقع الفاحشة ، فقد اختلفوا في تفسير الهم!
والغالبية العظمى من المفسرين تقول أن يوسف قد هم فعلا ليواقعها ، فلما رأى برهان ربه ارتدع!
وبرهان ربه على رأي الفريقين كان صورة يعقوب عليه السلام.
فماذا تقول اللغة في هذا الشأن؟!
أولا : الهم لغة كما في لسان العرب هو حديث النفس بالشيء ، أي قبل أن يصير فعلا ، وهذا معنى معروف عند العرب.
ونتكئ على الحديث الشريف لتفسير الهم.
قال صل الله عليه وسلم : (من هم بحسنة ولم يفعلها كتبت له حسنة).
إذن هي في منزلة الفكرة لا الفعل ، والفعل مراودة بالموافقة أو الرفض.
وهم زليخة خرج من دائرة الفكرة إلى الفعل ، وقد ثبت بقولها : (أنا راودته عن نفسه).
أما عن يوسف فقد جاء حرف لولا وهو حرف امتناع لوجود ، ويوسف لم يهم بها.
ولذلك لم يذكر الله (لم يهم بها) بدلا من ( وهم بها) لنفي الفعل ولم ينفي الباعث عليه ،
وتحسبا لارتباك يوسف أو تفاجأه بفعلتها ، ولذلك فإن الآية جاءت لإنصاف يوسف لا للشك فيه.
ثانيا : (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء)
وهنا دقة في التعبير لأنه لم يقل لنصرفه عن السوء.
فلو أن يوسف هم ليواقعها فعلا لكان الله صرفه عن السوء ، لأن السوء هو الذي تبع يوسف وليس العكس.
ثالثا : قال تعالى : (ولقد راودوه عن ضيفه فاستعصم)
فلو صح اغلب المفسرين بأن الهم حدث فعلا وتوقف بعد رؤية البرهان ، لما كان يوسف عليه السلام مستعصما.