يحكى أن هنالك ملكا أرسل حرسه الخاص لإحضار أحد مستشاريه في ساعة متأخرة من الليل.
ولما جاؤوا بمستشاره و قد ظهر عليه الخوف و الهلع و مثُل بين يديه.
قال له الملك بصوت مُرهَق :
إسمع أيها المستشار ، لقد اخترتُك من بين كل مستشاري لمعرفتي التامة بأنك أرجحهم عقلًا و أشدّهم ذكاءً.
فقال له المستشار و هو ينحني له إجلالاً : شكراً يا مولاي و سأكون إن شاء الله عند حسن ظنك.
قال له الملك : أَتَعْلَم أنني لم أنَم ليلتي هذه لأن هنالك سؤالاً يؤرقني ، و أريد منك إجابة عنه تستند إلى دليل قاطع.
قال له : تفضل يا مولاي سَلْ سؤالك و سأجيبك عنه بإذن الله.
فقال له : قل لي أيهما أفضل الحظ أم القداسة؟
قال له دون أي مقدمات : القداسة طبعاً يا مولاي.
ضحِك الملك و قال له : سأدحض رأيك بالدليل أو تثبت لي رأيك و بالدليل ، وافق المُستشار.
خرجا في صباح اليوم التالي إلى أحد الأسواق ، وقف الملك يتأمل وجوه رعيته حتى لفت إنتباهه رجلًا فقيراً في حالة يُرثى لها.
فأمر الحرس بجلبه إلى القصر ثم أمر بأن يطعموه و يلبسوه الحرير ثم جعله وزيراً ثم أمر بإدخاله إلى مجلسه.
فاندهش المستشار عندما رأى أن ذلك الفقير أصبح وزيرا.
فقال الملك : أيهما أفضل الآن الحظ أم القداسة؟
فأجاب المستشار أعطِني فرصتي يا مولاي لأثبت لك بأنَّ رأيي الأصح.
خرج المستشار إلى السوق وقف يتأمل و إذا به يرى حماراً هزيلاً وسخاً منهكا.ً
فاقترب منه و بدأ يتحسسه والناس ينظرون إليه باستغراب حتى تجمهروا من حوله ،
ثم قال بصوت عال : أيها الناس أتعلمون أنَّ هذا الحمار طالما حمل على ظهره أحد أنبياء الله.
إقرأ أيضا: قرر أحد الملوك منع النساء لبس الذهب والحلي والزينة!
فقد ذُكر وصفه في الكتاب الفلاني نقلاً عن فلان ابن فلان أنَّ هذا الحمار من أهل الجنة ،
و ما هي إلا لحظات حتى أصبح ظهر الحمار الأجرب مزاراً و ملئت أذناه نذوراً و بدأ الناس يتبرّكون به ،
فهذا يطعمه و ذاك يغسل قدميه و تلك تأخذ شعرة منه لتتزوج و تلك تتمسّح به لتُرزق طفلاً .
ثم أسكنوه في بيت نظيف عينوا له خدماً و أصبح الحمار يسرح و يمرح في أي مكان شاء ،
يأكل ويشرب من أي بيت يريد والكل يقدسه و يتبرك به.
عاد المستشار إلى الملك و قال : الآن يا مولاي أيهما أفضل؟
طأطأ الملك رأسَه فابتسم المستشار و قال له : أتعلم يا مولاي ما الفرق بين الحظ والقداسة؟
قال الملك لا ، قُلْ لي ما الفرق؟
قال له المستشار : أنت يا مولاي ألبستَ هذا الفقير ثوب العافية والمال والسلطة.
و هذا ثوب زائل لأنك تستطيع سلبه إياه.
أما أنا فقد ألبستُ هذا الحمار ثوبَ القداسة و لعمري أنَّ هذا الثوب لا يُمكن أنْ يسلبه منه أحد حتى أنت يا مولاي.
فكم حماراً ألبسَهُ الجَهَلة ثوب القداسة؟
عش حرا ولا تعطي الشيء أكثر من قيمته.