قصص منوعة

يحكى في قديم الزمان عن طفل إسمه عبد الرحمن ماتت أمه

يحكى في قديم الزمان عن طفل إسمه عبد الرحمن ماتت أمه وهو صغير ولم تترك له شيئا من شدة فقرها ،

فعطف عليه عمه مسعود ورباه عنده كواحد من أولاده وعلمه كيف يزرع الأرض ويأكل من عرق جبينه.

ومرت الأيام وكبر الولد حتى بلغ من العمر ستة عشر عاما ، وكانت للعم مسعود بنية في مثل عمره ،

أحبها منذ أن كان صبيا ووجد فيها من اللطف ما عوضه عن مرارة اليتم.

في أحد الليالي إستجمع شجاعته ثم طلب من عمه الزّواج من إبنته ليلى ،

فقال له عمه إنتظر حتى تكبر وتصبح رجلا والرجولة يا بنيّ في الصبر.

لم يفهم عبد الرّحمن مقصد الشّيخ وقال في نفسه ربما يقصد الشّيخ أنه لا مال عندي ، فأخذ من عمه ركنا من الأرض ،

فاستصلحه وزرعه بالزيتون.

مرّت الأيّام والشّهور والسنين ، والفتى يعمل طول النهار حتى أنهك نفسه ، وّلما أصبح عمره عشرين عاماً ، عاد ومعه كيس من الدراهم ،

وطلب من عمه الزواج مرة ثانية من إبنته.

فقال له عمه مرة أخرى : عندما تكبر وتصبح رجلا والرجولة في الصّبر!

فقال في نفسه : معه حق فالدراهم قليلة ، والأشجار لا تزال صغيرة.

ولما بلغ الفتى الثالثة والعشرين عاماً أتاه بصندوق دراهم ، وجرة زيت ، وقصعة زيتون أسود مملح ،

وطلب منه للمرة الثالثة يد ليلى كان رد عمه كالعادة : عندما تكبر وتصبح رجلاً والرجولة في الصبر.

هذه المرّة ترك اليتيم بيت عمه ، وخرج يائساً هائماً على وجهه في المدينة ، وخطر له أنّ عمّه رفضه لأنّه ليس من أهل الجاه ،

فاغتم لذلك كثيرا.

في أحد الأيام كان يسير في السوق ، وقد أخذ منه التّعب مأخذه وصادف في طريقه بنت السلطان واقفة تتفرّج على الدكاكين ،

وفجأة ظهر وراءها سارق وخطف سوارا كانت تزين به معصمها ، لكن قبل أن يفرّ أمسك عبد الرّحمن بعنقه ،

إقرأ أيضا: تزوج شابا من ٳبنة خالته وكانت حالته المادية بسيطة جدا

وأرجع الحلية إلى صاحبتها ، ولمّا علم أبوها بشجاعته ، بالغ في إكرامه وعيّنه رئيس الحرس في القصر ،

ورغم كثرة الجواري الجميلات ، إلا أنّه كان دائم التفكير في بنت عمّه ليلى.

1 3 4 10 1 3 4 10

وفي هذه الفترة كان قد جمع أكثر ممّا ربحه من بيع الزيتون بأضعاف ، وظهر عليه الخير والنعمة.

وفي يوم من الأيام رجع عبد الرحمن إلى قريته ، وهو يركب حصانا من كرام الخيل وعليه ثياب غالية ،

واعتقد أن عمه سيزوجه إبنته ، وكيف يرفض ذلك وقد صار من الأعيان؟

وحين دخل دار عمه جلس على وسادة وهو فخور بنفسه ، ثم صفّق بيده ، فجاء عبد ، وفتح صناديق التّحف والهدايا النفيسة ثم تنحنح ،

وقال : أعتقد أني قد حققت شرطك يا عمي وصرت رجلا!

ثم طلب منه يد إبنته مرة أخرى.

لكن الشيخ حكّ ذقنه وأجابه : عندما تكبر وتصبح رجلا ، والرجولة كما قلت لك في الصبر.

ضاقت الدنيا بعبد الرحمن وخرج من بيت عمه حزيناً حائرا فتصدّق بكلّ شيء يملكه ، وحتى فرسه أعطاه لرجل فقير مقطوع الساق ،

وقال : سأذهب الآن إلى الصحراء ، وأعيش وحيدا طريدا وهكذا لن يرى عمي وجهي ثانية ويرتاح مني.

وسار أياما يكابد حرارة الصحراء وآلام الجوع والعطش ، فرأى من بعيد خيمة لأحد الأعراب فاقترب منها ،

فإذا بقربة ماء معلقة في الظل يداعبها الهواء.

نادى الفتى على صاحب الخيمة ، لعله يبل عروقه ولو بقليل من الماء ، فلم يجبه أحد.

ولما أخذ القربة ليشرب الماء ، ووضعها بين شفتيه ، وقد شرب رشفة من الماء البارد ،

فجأة جاءت فتاة واختطفت القربة من بين يديه.

تعجب الفتى منها ، واحتار في أمرها أشد العجب فكيف تخطف من فمه قربة الماء وهو يعاني من عطش الصحراء معاناة شديدة!

إقرأ أيضا: جزاءُ الإِحسان

وقبل أن يفتح فمه لكي يتكلم طلبت الفتاة من اليتيم أن يدخل ديوان والدها الغائب عن الخيمة ، وقدمت له طعاما ،

وأحسنت ضيافته ، وأكرمت وفادته ، كأفضل ما يكرم العربي ضيفه ،

ثم جاءت له بعد ذلك بقربة الماء وطلبت منه أن يشرب الآن كما يريد.

أكل اليتيم وشرب وحمد الله وشكر فضله.

سأل اليتيم البنت لماذا رفعت القربة عن فمي وأنا شديد العطش!

أجابت البنت الرجولة في الصبر

قال اليتيم إنني أبحث عن هذه الكلمة منذ عشر سنين ولم أيأس ، لقد بعثت الحياة بداخلي من جديد ، فما تفسيرها؟

قالت له لو شربت من ماء القربة حتى ارتويت لما أكلت من الطعام الذي أعددته لك كما أكلت الآن ، فالرجولة في الصبر.

سألها اليتيم أين أبوك؟
قالت له إن أبي يسقي الماء بالماء!

ثم سألها أين أمك؟
قالت أمي تخرج كل يوم لتغضب الله!

ثم سألها أين أخوك؟ قالت أخي يعارك الهواء!

قال لها إنني أسمع منك كلاما عجبا فهل من تفسير لما تقولين.
قالت نعم.

أما أبي الذي يسقي الماء بالماء فهو يمتلك مزرعة زرعها بنبات البطيخ والبطيخ ماء يرويه أبي بالماء.

وأما أمي التي تغضب ربها ، فتذهب كل يوم إلى المقبرة تبكي على ولد لها أخذ الله وداعته ،

ثم تعود لاطمة خديها ناشرة شعرها ممزقة ثيابها.

وأما أخي الذي يعارك الهواء فهو يخرج إلى الغابات كل يوم يصيد الغزلان والأرانب وما شاء الله له من رزق الصيد ،

وإنني هنا كما تراني وحيدة صابرة في البيت.

وعلى الرغم من أنني أنثى فإنني أصبر صبر الرجال ، فالرجولة في الصبر.

استأذنها اليتيم بالانصراف ثم انصرف وعاد إلى عمه يطلب إبنته من جديد ،

وعندما قابل العم ابن أخيه اليتيم قال له أين المال قال اليتيم لا يوجد معي مالا ،

قال العم فأين الرجولة إذن قال اليتيم الرجولة في الصبر.

قال العم الآن أزوجك ابنتي فالمال لا يخلق رجالا بل إن الصبر هو الذي يخلق الرجال ،

ولك مني فوق ابنتي مزرعة كبيرة وبيتا وقطيعا من الحلال.

قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ۚ إن الله مع الصابرين 153

وقال تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخۏف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?