يوم القيامة يوم شأنه عظيم
يوم القيامة يوم شأنه عظيم ، وقد أخبر النبي صل الله عليه وسلم أن قبله تحدث فتن عظيمة وأحداث متوالية ،
فيها من الأهوال والأفعال ما يصعب على العقول تصوره.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجليلُ أبو موسى الأشعريُّ رضِيَ اللهُ عنه ، أن النبي صل الله عليه وسلَّم قال :
“إنَّ بينَ يدَيِ السَّاعةِ لَهَرْجًا” ، أي : يقَعُ قبلَ قيامِ القِيامةِ هرْجٌ كثيرٌ بينَ النَّاسِ ،
قال أبو مُوسى : “يا رسولَ اللهِ ، ما الهَرْجُ؟
قال : القَتلُ” ، فقال بعضُ المسلِمين مُستفسِرًا عن كيفيَّةِ وقوعِ القَتلِ في آخِرِ الزمان :
يا رسول اللهِ ، إنَّا نَقتُلُ الآنَ في العام الواحد مِن المشرِكينَ كذا وكذا” ،
أي : نَقتُلُ كثيرًا مِن المشرِكين ؛ فهل هذا هو المقصودُ؟
فقال رسول الله صل الله علَيه وسلَّم : “ليس بقَتْلِ المشرِكين ، ولكن يَقتُلُ بعضُكم بعضًا” ،
أي: القتلُ المقصودُ هو أن يَقتُلَ المسلِمون بعضُهم بعضًا ، دون مُراعاةٍ لِحُرمةِ دَمٍ أو دِينٍ أو قَرابةٍ!
حتَّى يَقتُلَ الرَّجلُ جارَه وابنَ عمِّه وذا قَرابتِه ، فقال بعضُ القومِ ؛ تَعجُّبًا مِن هذا الفعلِ الَّذي لا يَفعَلُه عاقل :
“يا رسولَ الله ، ومعَنا عُقولُنا ذلك اليومَ؟ فقال رسولُ اللهِ صل اللهُ علَيه وسلَّم : “لا ، تُنزَعُ عُقولُ أكثرِ ذلك الزَّمانِ” ،
أي: لا عَقْلَ لكُم في تِلكُم الأيَّامِ وتُسلَبُ عُقولُ أكثَرِ النَّاسِ ، ويَحتمِلُ أن يَكونَ المرادُ : أنْ يَقِلَّ عُقلاءُ هذا الزَّمانِ ،
ويَخلُفُ له هَباءٌ مِن النَّاسِ لا عقولَ لهم ، أي : ويَكثُرُ فيهم أناسٌ لا عَقلَ لهم ولا فَهْمَ ولا عِلمَ عِندَهم ،
وفي رواية : “يَحسَبون أنَّهم على شَيء ، ولَيسوا على شيء” ، أي: يَظُنُّون أنَّهم على حقٍّ أو على عِلمٍ وهم لَيسوا كذلك.
قال أبو موسى الأشعري رَضِي اللهُ عَنه : “وايمُ اللهِ”، أي: أُقسِمُ باللهِ : “إنِّي لأَظُنُّها مُدرِكَتي وإيَّاكم” ،
إقرأ أيضا: إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا
أي : إنَّ ما يَغلِبُ على ظَنِّي أنَّ هذه الفِتنةَ ستُدرِكُنا ونقَعُ فيها ، “وايمُ اللهِ ،
ما لي ولَكم منها مَخرَجٌ إنْ أدرَكَتْنا فيما عَهِد إلينا نبيُّنا صل اللهُ علَيه وسلَّم إلَّا أن نَخرُجَ كما دخَلْنا فيها ،
أي : المخرَجُ مِنها هو عدَمُ الوُقوعِ في شَرِّها.
وفي روايةٍ : “لم نُصِبْ منها دَمًا ولا مالًا” ، أي : لم نَأخُذْ ولم نتَلبَّسْ مِنها بقَتْلِ صاحبِ دمٍ معصومٍ ولا بأخْذِ مالٍ مِن غيرِ حقِّه ،
وقد أخبَر النَّبيُّ صل اللهُ علَيه وسلَّم أبا ذَرٍّ في حَديثٍ آخَرَ عن مِثلِ هذه الفِتَنِ وأمَرَ أن يَلزَمَ الرَّجلُ بيتَه ولا يَشترِكَ في القَتلِ ،
وأن يَستسلِمَ لِمَن أراد أن يَقتُلَه حتَّى يَحمِلَ القاتلُ كلَّ الإثمِ والذَّنبِ.
وفي الحديثِ : التَّحذيرُ مِن الفِتَنِ التي تَكونُ قبل قيام الساعة.
وفيه : أن السَّلامةَ مِن فِتَنِ آخِرِ الزَّمانِ تَكونُ بالتَّمسُّكِ بأوامِرِ اللهِ ورسولِه ؛ بعَدمِ الإشتِراكِ في قَتْلِ النَّاس.