إسلام

يوم القيامة يوم عصيب كثير الأهوال تدنو فيه الشمس من رؤوس العباد

يوم القيامة يوم عصيب كثير الأهوال تدنو فيه الشمس من رؤوس العباد ، ويشتد عليهم حرها ،

وقد بشرنا رسول الله صل الله عليه وسلم بأن للهِ عبادا سيُظِلُّهم في ظِلِّه في هذا اليومِ الذي لا ظِلَّ سِوى ظِلِّه سُبحانه وتَعالى.

وفي هذا الحَديثِ الجَليلِ يَذكُرُ رسول الله صل الله عليه وسلَّمَ سَبعةَ أصناف مِن هذه الأُمَّةِ يَتنعَّمون بِظِلِّه سُبحانَه في ذلِك اليومِ ،

الَّذي لا يَجِدُ أحَد ظِلًّا إلَّا مَن أظَلَّه اللهُ في ظِلِّه ، والمرادُ بالظِّلِّ هنا :

ظل العَرشِ ، كما جاء مُفسَّرًا في أحاديثَ أُخرَى ؛ منها :

ما أخرَجَه أحمدُ والترمذيُّ من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه ، عن النبيِّ صل الله عليه وسلَّمَ ، قال :

مَن نفَّسَ عن غَريمِه أو محَا عنه ، كان في ظِلِّ العرشِ يومَ القِيامةِ ، وإذا كان المرادُ ظِلَّ العَرشِ ؛ استلزمَ كونَهم في كنَفِ اللهِ تعالَى وكرامته.

وأوَّلُ هؤلاءِ السَّبعةِ : الإمامُ العادِلُ ، وهو: الحاكِمُ العادِلُ في رَعيَّتِه ، الذي يُحافِظ على حُقوقِهم ،

ويَرعَى مَصالِحَهم ، ويَحكُمُ فيهم بشَريعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فيُقيمُ مَصالِحَ الدِّينِ والدُّنيا.

والثَّاني : شابٌّ نَشَأ مُجتهِدًا في عِبادةِ رَبِّه ، مُلتزِمًا بطاعتِه في أمْرِه ونَهْيِه ، وخَصَّ الشَّابَّ بالذِّكرِ ؛

لأنَّ العِبادةَ في الشَّبابِ أشدُّ وأشقُّ وأصعَبُ ؛ لكَثرةِ الدَّواعي للمَعصيةِ وغَلَبةِ الشَّهواتِ ؛

فإذا لازَمَ العِبادةَ حِينئذٍ دَلَّ ذلِك علَى شِدَّةِ تقواه وعَظيمِ خَشيتِه من الله.

والثَّالثُ : الرجُلُ المُعَلَّقُ قَلْبُه في المَساجِدِ ؛ فهو شَديدُ الحُبِّ والتَّعلُّقِ بالمساجِدِ ، يَترَدَّد عليها ويَكثُر مُكثُه فيه ،

مُلازِمًا للجَماعةِ والفرائضِ ومُنتظِرًا للصلاةِ بعدَ الصلاةِ ، كأنَّ قَلبَه قِنديلٌ مِن قَنادِيلِ المسجِدِ.

والرَّابعُ : رَجُلانِ أحبَّ كُلٌّ منهما الآخَرَ في ذاتِ الله تعالَى وفي سَبيلِ مَرضاتِه وطاعتِه لا لغَرَضٍ دُنيويٍّ ،

واجتَمَعَا على ذلِك ، واستمَرَّا على مَحبَّتِهما هذه لأجْلِه سُبحانه ، وقولُه : «اجتمعَا على ذلِك وتَفرَّقَا عليه»

ظاهرُه : أنَّ حُبَّهَما للهِ صادقٌ في حِينِ اجتماعِهما، وافتراقِهما.

والخامِسُ : رَجُل طَلَبَتْه للفاحشةِ إمرأةٌ حَسْناء ذاتُ حَسَبٍ ونَسَبٍ ، ومالٍ وجاهٍ ، ومَركزٍ مَرموقٍ ، فقال :

إقرأ أيضا: قال أعرابي لامرأته أنتي طالق حتى حين

إنِّي أخافُ اللهَ ، ويِحتمِلُ أنَّه إنَّما يقولُ ذلك بلِسانِه زَجْرًا لها عن الفاحِشةِ ، أو يقولُ ذلك بقَلْبِه ويُصدِّقَه فِعلُه ،

بأنْ يَمنَعَه خَوفُ اللهِ عن إقترافِ ما يُغضِبُه ، وخصَّ ذاتَ المنصِبِ والجَمالِ لكَثرةِ الرَّغبةِ فيها ،

1 3 4 10 1 3 4 10

وهو بهذا الفِعلِ مع هذِه المُغرياتِ الكثيرةِ جمَع أكمَلَ المراتِبِ في طاعة الله تعالَى والخوفِ منه ، وهذه صِفةُ الصِّدِّيقينَ.

والسَّادسُ: رَجُلٌ تَصدَّق صَدقةَ التَّطوُّعِ، فبالَغَ في إخفاءِ صَدقتِه على النَّاسِ ، وسَتَرَها عن كُلِّ شَيءٍ حتَّى عن نفْسِه ،

فلا تَعلمُ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه ، وإنَّما ذَكَرَ اليمينَ والشِّمالَ للمُبالَغةِ في الإخفاءِ والإسرارِ بالصدقةِ ،

وضرَبَ المَثَلَ بهما لقُربِ اليَمينِ مِن الشِّمالِ ولملازمتِهما ، ومعنى المَثَل :

لو كانَ شِمالُه رَجُلًا مُتيقِّظًا ما عَلِمَها ؛ لمُبالَغتِه في الإخفاءِ ، وهذا هو الأفضلُ في الصَّدقةِ والأبعدُ مِن الرِّياءِ ،

وإنْ كان يُشرَعُ الجَهرُ بالصَّدقةِ والزكاةِ إنْ سَلِمَتْ عن الرِّياءِ وقُصِدَ بها حثُّ الغَيرِ على الإنفاقِ وليَقتدِيَ به غيرُه ، ولإظهارِ شَعائرِ الإسلامِ.

والسَّابعُ : رَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ بلِسانِه خاليًا ، أو تَذكَّر بقَلْبِه عَظَمةَ اللهِ تعالَى ولِقاءَه ، ووَقوفَه بيْن يَدَيه ،

ومُحاسبتَه على أعمالِه ، حالَ كونِه خاليًا مُنفرِدًا عن النَّاسِ ؛ لأنَّه حِينَها يكونُ أبعَدَ عن الرِّياءِ ، وقيل :

خاليًا بقلْبِه مِن الإلتفاتِ لغيرِ اللهِ حتَّى ولو كان بيْن الناس ، فَسالَت دُموعُه خَوفًا مِن اللهِ تعالَى.

وإنَّما نالَ هؤلاءِ السَّبعةُ ذلك النَّعيمَ بالإخْلاصِ لله تعالَى ومُخالَفةِ الهوى ؛

وفي الحديثِ : فَضْلُ الأصنافِ السَّبعةِ المَذكورةِ ، وفضْلُ مَن سَلِمَ مِن الذُّنوبِ ، واشتغَلَ بطاعةِ ربِّه طولَ عُمرِه وفيه :

الحثُّ على عمَلِ الطاعاتِ ؛ لأنَّها أسبابٌ لِنَوالِ رِضا اللهِ سُبحانه في الآخرةِ.

وفيه: أنَّ مِن نَعيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ يَومَ القِيامةِ الإيواءَ في ظِلِّه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?